vendredi 15 avril 2011

أي مستقبل للبحث العلمي في تونس ما بعد ثورة الكرامة ؟







أي مستقبل للبحث العلمي في تونس ما بعد ثورة الكرامة ؟


إن المتتبع للشأن الاجتماعي و السياسي في تونس ما بعد الثورة المجيدة يلحظ تلك الحركية الفكرية النشيطة، و هذا أمر طبيعي، و لكن ظل ملف البحث العلمي في تونس و كأنه موضوع هامشي و شأن لا يهم إلا فئة قليلة من الشعب الكريم و الحال أنه يمثل العمود الفقري لكل نهضة اقتصادية و اجتماعية. و إذ لم يحظ هذا الملف الهام و لو بحصة واحدة على الفضائيات التونسية بالرغم من استضافة التلفزة الوطنية لأكثر من مرة للسيد احمد إبراهيم وزير التعليم العالي و البحث العلمي في الحكومة المؤقتة السابقة و حتى أنه تم في بعض الأحيان كتابة "وزير التعليم العالي" فقط في أسفل شاشة التلفاز مع حذف عبارة "البحث العلمي". إنه حقا لمن المفارقة أن يعي النظام السابق بأهمية البحث العلمي وجدواه كسلاح استراتيجي لتلميع صورته في الداخل و الخارج حيث طالما رددت في كل مناسبة تلك النسبة المشهورة المخصصة لدعم البحث العلمي "1.5% من الدخل الوطني الخام" و يتم اليوم تناسي جدواه و تهميشه بعد ثورة الحرية و الكرامة. و ربما تكون الحجة وراء تغييب هذا الملف الهام لأنه ليس من الملفات العاجلة، و في تقديري هذا راجع لسوء إدراك لمدى جدوى البحث العلمي في ميدان التعليم العالي و الاقتصاد الوطني و الأمن القومي التونسي. و إنه لجدير بنا هنا أن نذكر أنفسنا بالمعادلة المتعارف عليها في أعرق الجامعات الغربية: "إن أردت أن تكون مدرسا ناجحا يجب أن تكون أولا باحثا جيدا".

إن البحث العلمي يمثل أهم دعائم اقتصاديات البلدان الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية و اليابان و ألمانيا و فرنسا و المملكة المتحدة و ذلك بناءا على ما يعرف بحقوق الملكية الفكرية. إذ أنه من المعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتج لوحدها من براءات الاختراع أكثر من كل الدول الأوروبية مجتمعة فيصح القول حينئذ "إذا عرف السبب بطل العجب".

إن أردنا أن يكون قطاع البحث العلمي في مستوى تطلعات المواطن التونسي و ركيزة أساسية من دعائم اقتصاد البلاد يجب في بادئ ذي بدء الوقوف عند أهم الانجازات والتحديات في هذا الميدان. يمكن تلخيص مكاسب البحث العلمي في تونس رغم قلتها كما يلي:
- وجود العديد من المدرسين الباحثين التونسيين الذين تلقوا تكوينا أكاديميا جيدا في جامعات أوروبية و آسيوية و أمريكية ذات صيت عالمي مع تمتع هؤلاء الباحثين بالكفاءة العلمية التي تؤهلهم لإدارة مشاريع علمية ذات جودة عالية. كما أن هناك العديد منهم هم الآن بصدد العمل ضمن شبكات تعاون دولية رفيعة المستوى.

- قدرة الباحث التونسي على نشر مقالات علمية في مجلات عالمية مختصة و ذات صيت عالمي، و لكن و لئن نجحت أغلب هياكل البحث في تحقيق الجانب الكمي من حيث النشريات العلمية يبقى الجانب النوعي دون المستوى المطلوب.
- وجود ثقافة براءة الاختراع لدى الباحث التونسي ولو بصفة متفاوتة حسب مؤسسات البحث العلمي، هذا و يبقى عدد براءات الابتكار التونسية متدني جدا، مع كل الأسف، مقارنة بالبلدان الصناعية الكبرى و أيضا ببلدان عربية كالمملكة العربية السعودية و مصر و الإمارات العربية المتحدة و دول افريقية كجنوب إفريقيا مثلا اعتمادا على تصنيف ``Wipo``.

أما ما هو مطلوب بعد ثورة الكرامة و لكي يضطلع الباحث التونسي بالدور المنوط بعهدته يجب:
- مراجعة كل التشريعات و القوانين الأساسية التي تحد من الحريات الأكاديمية للمدرسين الباحثين و خاصة منهم الشبان و القطع مع كل أساليب الانفراد بالرأي و الكف عن إصدار القرارات الفوقية سواء من سلطة الإشراف أو من المسئولين داخل المؤسسات الجامعية. من ناحية أخرى يجب أن يخضع ترشح الأفراد لتحمل كل المسؤوليات، مهما كان نوعها داخل مؤسسات و هياكل البحث، لقانون الانتخاب بعيدا عن منطق التعيينات.
- وضع حد لتجزئة المجزأ و جعل الجامعة غطاءا لكل مؤسسات التدريس و البحث العلمي، قولا و فعلا، على غرار ما هو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية.

- تحسين البنية التحتية لمخابر و وحدات البحث و فضاءات مساندة البحث و تنقية الأجواء داخل هذه الهياكل مع الحرص على نبذ كل أشكال التهميش و الإقصاء من ناحية و كذلك ضمان التكامل بين مختلف البحوث المنجزة و المقاربات المعتمدة من ناحية أخرى. و هنا يجب أن تلعب فضاءات مساندة البحث الدور الذي أحدثت من أجله و ذلك بمعاضدة هياكل البحث لا أن تصبح هياكل بحث موازية شأنها في ذلك شأن المعهد الوطني للجينات. أما من بين الآليات التي من شأنها تحفيز التواصل و التكامل بين مختلف مؤسسات البحث في تونس هي جعل مساهمة أكثر من فريق و مؤسسة بحث في إنجاز مشروع واحد شرط أساسي للحصول على الدعم المالي.

- اعتماد مقاييس علمية و موضوعية لتقييم و بعث مخابر و وحدات البحث و نبذ كل أشكال المحسوبية و الطرق الغير شرعية.
- إعطاء الأولوية لانتداب الباحثين الشبان الحاصلين على درجة الدكتوراه، و الذين لم يحصلوا بعد على عمل قار، في انجاز مشاريع البحث نظرا للخبرة التي يتمتعون بها و التي من شأنها أن تسهم في انجاز هذه البرامج بكل نجاعة و حسب الآجال المقررة لذلك.
- تحيين و مراجعة كل معاهدات تعاون البحث الدولية مع إعطاء مزيدا من الدعم المادي لمؤسسات البحث التونسية للمساهمة في إنجاز برامج بحث دولية خاصة مع نظيراتها في الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان.
- تشجيع المستثمرين الخواص على الاستثمار في قطاع التجديد التكنولوجي و تخصيص نسبة من دخل ولايات الجمهورية للمساهمة في دعم مشاريع البحث الجهوية.
- توعية كل الفئات الاجتماعية بمدى جدوى البحث العلمي كخيار استراتيجي لتحقيق الاستقلال والكرامة و الحرية. و لكن سوف لن تكون هذه التوعية ذات جدوى إن لم تأت أهداف برامج البحث منسجمة مع تطلعات و مشاغل المواطن التونسي.

عن منور بدري
مركز البيوتكنولوجيا بالقطب التكنولوجي ببرج السدرية

فاروق صماري

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire